الأمم المتحدة، نيويورك – تتعرض كل يوم مئات الآلاف من الفتيات، حول العالم إلى الأذى البدني أو النفسي، بمعرفة وموافقة عائلاتهن وأصدقائهن ومجتمعاتهن. و من المرجح أن يتفاقم هذا الوضع بدون اتخاذ أي إجراء عاجل.
فيما يلي نتائج تقرير حالة سكان العالم لعام 2020 الصادر اليوم عن صندوق الأمم المتحدة للسكان تحت عنوان :"ضد إرادتي.. تحدي الممارسات التي تضرُّ بالنساء والفتيات وتُقوِّض المساواة". ويبحث في أصل الممارسات الضارة حول العالم ومدى انتشارها، وما يجب فعله لوقف تلك الممارسات.
ويحدد التقرير تسع عشرة ممارسة ضارة - تتراوح ما بين كي الثدي وفحص العذرية - والتي تعتبر انتهاكات لحقوق الإنسان. ويركز بشكل خاص على ثلاث ممارسات منتشرة ومستمرة، بالرغم من إدانتها من الغالبية العظمى من دول العالم: وهي تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية المعروف بالختان وزواج الأطفال وتفضيل الذكور.
وفيما يلي خمس معلومات أساسية لم تكن متوقعة ولكنها حاسمة استخلصت من التقرير.
1- غالبًا ما يُعرِض الأشخاص بناتهم لهذه الممارسات بحسن نية.
يتسبب زواج الأطفال وتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (الختان) وتفضيل الذكور – والذي يمكن التعبير عنه على أنه إجهاض انتقائي على أساس الجنس المتوقع للرضيع أو اختيار جنس الجنين بعد الولادة –بأضرار عميقة ودائمة. حتى أنها قد تؤدي إلى الوفاة.
ومع ذلك، فعموماً لا يتم تنفيذ هذه الممارسات بدافع إضمار الأذى. فبدلا من ذلك، يُنظر إلى تلك الممارسات على أنها لمصلحة الأسرة، أو لمصلحة الفتاة نفسها.
قد يكون الغرض من زواج الأطفال هو تأمين مستقبل الفتيات عن طريق الدفع بمسؤولية رعاية الفتاة على عاتق أسرة زوجها. أو قد يُنظر إليه على أنه طريقة لحمايتها من العنف الجنسي، أو كوسيلة لحماية سمعتها إذا أصبحت حاملاً. غالبًا ما يتم إجراء تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (الختان) لضمان تقبل الزوج المستقبلي أو المجتمع الأوسع للفتاة. وقد تختار العائلات أن يكون لديها ذكوراً وليس فتيات في المجتمعات التي يضطلع بها الأبناء من الذكور وحدهم بمهمة رعاية والديهم المسنين أو حمل اسم العائلة.
"إلا أنَّ النوايا الحسنة لا تعني شيئا بالنسبة للفتاة التي ستضطر إلى التخلَّي عن مدرستها وصديقاتها لكي تتزوج قَسْرا، أو للفتاة التي تواجه مشاكل صحية مدى الحياة بسبب التشويه الذي أصابها جرَّاء الطقوس المؤذية للعبور إلى مرحلة النضج." تقول الدكتورة ناتاليا كانيم، المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، في مقدمتها للتقرير.
2-الممارسات الضارة متجذرة في عدم المساواة بين الجنسين وتخدم غرض التحكم في أجساد الفتيات أو نشاطهن الجنسي أو رغباتهن الجنسية.
غالبًا ما تكون الممارسات الضارة أدوات للتحكم في الحياة الجنسية والخصوبة لدى النساءففي أماكن كثيرة، يعتقد أن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (الختان) يكبح النشاط الجنسي لدى الإناث، أو يمنع الخيانة الزوجية، أو يعزز المتعة الجنسية للرجال. وذلك بحسب ما أوضحت الدكتورة هانيا شلقامي، عالمة الأنثروبولوجيا بمركز البحوث الاجتماعية التابع للجامعة الأمريكية في القاهرة:"وكثيرًا ما يكون الدافع وراء زواج الأطفال هو الرغبة في الحفاظ على عذرية الفتاة لزوجها. أما تفضيل الذكور، عندما يكون في صورة الاختيار المتحيز لجنس الجنين، فهو جهداً من ممارسة لسلطة التفضيلات الاجتماعية والعائلية على خصوبة المرأة."
3- تنتشر الممارسات الضارة على نطاق واسع وعبر البلدان والثقافات والأديان والأعراق والمستويات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة.
يحدث زواج الأطفال وتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية المعروف بالختان وتفضيل الذكور حول العالم. يتضمن التقرير سردًا لزواج الأطفال الذي يقع في الولايات المتحدة، وقصص حول تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية المعروف بالختان من كولومبيا وإندونيسيا وتنزانيا، وروايات عن تفضيل الذكور في أذربيجان والهند، على سبيل المثال.
وعلى الصعيد العالمي، فإن عدد الفتيات والنساء المتضررات من هذه الممارسات يعد أمراً صاعقاً – بل وآخذ في التزايد في بعض الحالات. فهذا العام وحده، هناك 4.1 مليون فتاة معرضة لخطر تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية المعروف بالختان. كما أن واحد من كل خمس زيجات اليوم عروسه طفلة. كما أسفر تفضيل الذكور عن فقدان نحو 140 مليون فتاة..
على الرغم من نجاح الجهود المبذولة لإنهاء الممارسات الضارة، يُعتقد أن عدد الفتيات اللاتي يتعرضن لزواج الأطفال وتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية المعروف بالختان آخذ في التزايد بشكل عام وذلك بسبب النمو السكاني في البلدان التي تنتشر فيها هذه الممارسات بشكل كبير.
4- من المرجح أن يؤدي وباء فيروس كورونا (كوفيد-19) إلى تفاقم زواج الأطفال وتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (الختان)
لوباء كوفيد-19 آثار كبيرة على حياة الفتيات وعائلاتهن منها مصاعب اقتصادية وإغلاق المدارس إلى فقدان الحصول على الخدمات الصحية والوصول إلى البرامج المجتمعية.
وبالرغم من قلة البيانات المؤكدة حول كيفية تأثير الوباء على التشبث بالممارسات الضارة، إلا أن تحليلا، قام به كل من صندوق الأمم المتحدة للسكان ومؤسسة أفينير هيلث وجامعة جونز هوبكنز بـ (الولايات المتحدة الأمريكية) وجامعة فيكتوريا بـ (أستراليا)، توقع أن كلا من تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية المعروف بالختان وزواج الأطفال قد يزدادا بشكل كبير. إذا شهد العالم تأخيرًا لمدة عامين في تنفيذ البرامج المصممة للقضاء على تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية المعروف بالختان، فمن الممكن أن يقع ما يقدر بنحو 2 مليون حالة إضافية من تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية خلال العقد المقبل كان من الممكن تجنبها بخلاف ذلك. فقد وجد باحثون أن التأخر لمدة عام واحد في برامج إنهاء زواج الأطفال مقترناً بالانكماش الاقتصادي الناجم عن الوباء، قد يؤدي إلى حدوث 13 مليون زواج إضافي على مدى العقد المقبل.
وبالفعل، بدأ صندوق الأمم المتحدة للسكان يرى بعض المؤشرات الأولية على أن كل من تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية المعروف بالختان وزواج الأطفال آخذان في الزيادة، على الأقل في بعض الأماكن.
في جمهورية الكونغو الديمقراطية، لاحظ الخبراء زيادة كبيرة في زواج الأطفال في منطقتي كاساي الوسطى وكاساي؛ وتجري المنظمات غير الحكومية المحلية تقييماً لتأثير الوباء على هذا الاتجاه. وفي تنزانيا، أفاد اثنان من شركاء صندوق الأمم المتحدة للسكان بأنهما يشهدان عمليات تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية بأعداد كبيرة على الرغم من أن "موسم الختان" السنوي لا يبدأ عادة حتى شهر كانون الأول/ ديسمبر.
5- نحن نعرف كيف ننهي هذه الممارسات الضارة - وهذه هي اللحظة المناسبة للقيام بذلك
على الرغم من هذه التحديات، إلا أن العالم قد شهد العديد من العلامات والمبادرات الواعدة التي توضح أنه من الممكن إنهاء الممارسات الضارة.
تظهر التجارب في دول مثل جمهورية كوريا أن رفع مكانة النساء والفتيات، إلى جانب السياسة والتغيرات الأخرى، يمكن أن ينهي ممارسة تفضيل الذكور، على سبيل المثال. فقد حققت بعض الدول مؤخراً مثل ترينيداد وتوباغو نجاحًا في تطبيق تشريع يحظرزواج الأطفال،غير أن الحلول الدائمة تتطلب تغييرات في الأعراف الاجتماعية المتجذرة في عدم المساواة بين الجنسين.
وأصدر صندوق الأمم المتحدة للسكان وثيقة بعنوان "كيف أن تغيير الأعراف الاجتماعية أمر حاسم لتحقيق المساواة بين الجنسين" [الرابط] صُمِمَت لمساعدة المنظمات والمجتمعات على تحقيق تغيير الأعراف الاجتماعية على نطاق واسع، وبالتالي تحقيق الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة المعني بالمساواة بين الجنسين.
ترى نفيستو ديوب، خبير صندوق الأمم المتحدة للسكان بمجال الممارسات والثقافة الضارة أنه "بالإضافة إلى توفير المعلومات وخلق مساحات للمناقشة، هناك حاجة للتداول والاتفاق بشكل جماعي وصراحة على تحسين صحة ورفاهية الفتيات والمجتمعات، مما سيدعم حركة إنهاء الأعراف الضارة والتمييزية. السياق أمر حاسم. ولا يوجد نهج واحد مناسب للجميع".
واستطردت قائلة الآن هو الوقت المناسب لبدء هذه التغييرات، فالعالم يخضع لتحولات مدوية بسبب الوباء وتداعياته الاجتماعية والاقتصادية.
وتضيف نفيستو ديوب:"نرى كيف يمكن لسلوك شخص واحد أن يحدث فرقاً، وكيف لمجموعات الأشخاص التي تتبنى سلوكًا معينًا أن تؤثر على الآخرين،نحن نشاهد مؤثرين في المجتمع من مختلف مناحي الحياة، فقيادة التغيير لم تعد مقصورة على القادة السياسيين أو الشخصيات البارزة وحدهم. وهو ما يمنحنا ليس الأمل فحسب، بل إنه يثبت لنا أن القرارات الجماعية لتغيير السلوكيات يمكنها أن تغير الأعراف وبسرعة".